تدقيق الملكية الفكرية في الشركات

style="text-align: justify;">بقلم/ عبدالناصر ردمان
نائب مدير ملكية فكرية – مكتب اليمن

لا يخفى على أي متابع الأهمية المتزايدة للأصول غير الملموسة في رفع مستوى إيرادات الشركات، وبالتالي القيمة السوقية لها وبخاصة للشركات القائمة على الاقتصاد المعرفي والتي تمثل أصول الملكية الفكرية فيها أكثر من 90% من رأس مالها. وبالرغم من أهمية تلك الأصول لكنها لا تحضى بالاهتمام الكافي من الإدارة على اعتبار أن الإدارة القانونية في الشركة هي الجهة المخولة "بتسجيل" تلك الحقوق ومتابعة حمايتها، لكن في الواقع أن تلك الأصول بحاجة لإدارة واهتمام وصيانة بالقدر نفسه أو حتى أكثر من ذلك الاهتمام المخصص للممتلكات الملموسة.

لماذا أصبح تدقيق الملكية الفكرية ضرورياً في الشركات؟
إن تدقيق الملكية الفكرية، كغيره من أنواع التدقيق، يهدف إلى ضمان سلامة وصحة عمليات وإجراءات إدارة أصول الملكية الفكرية في الشركة وهي تعمل بشكل فعّال وكفء وبما يحقق للشركة الاستفادة الكاملة من تلك الأصول، كما أن تدقيق الملكية الفكرية يوفر آلية واضحة لضمان عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية سواء تلك الخاص بالشركة أو تلك المملوكة للشركات والأطراف الأخرى وذلك من خلال تقديم توصيات ومقترحات لمتخذي القرار في الشركة بناءً على نتائج التدقيق.

إن أهم خطوة في الإدراة الفعّالة لأصول الملكية الفكرية في الشركة هو القيام أولاً بتدقيق تلك الأصول من خلال حصرها وتبويبها وتحديد ملكيتها ودراسة وتقرير ما يمكن الاستفادة منه، وما يمكن التخلي عنه أو بيعه أو ترخيص استخدامه للغير، كما أن تدقيق أصول الملكية الفكرية يكشف عن المشكلات التي تواجهها الشركة من تلك الأصول مثل التنازع والتقاضي مع أطراف أخرى حول ملكيتها، ومن أهم مخرجات التدقيق هو إعطاء صورة واضحة لإدارة الشركة حول تلك الأصول لتسهيل اتخاذها للقرارات المناسبة حيالها مثل التخلي، أو الدخول في تفاوض مع أطراف النزاع أو حتى الاستمرار في إجراءات التقاضي. إن خطوة التدقيق للملكية الفكرية تكشف عن أي ثغرات في الإجراءات القانونية والتنظيمية والإدارية المتعلقة بإدارة تلك الأصول، كما أنها تُحدد التحسينات على السياسات والإجراءات والممارسات الخاصة بإدارة الملكية الفكرية في الشركة.

فوائد تدقيق الملكية الفكرية:
يمكن إيجاز فوائد تدقيق الملكية الفكرية في ثلاثة فوائد رئيسية وهي:
1- خفض التكلفة: إن توفر قائمة محدثة ودقيقة لكافة أصول الملكية الفكرية في الشركة يُسهل على إدارة الشركة اتخاذ قرارات التوقف عن دفع تكاليف الصيانة/التجديد لأصول الملكية الفكرية المتقادمة مما يؤدي إلى انخفاض في تلك التكاليف، كما أن توصيات التدقيق الخاصة بالأصول محل النزاع مع أطراف خارجية تؤدي إلى خفض كبير في مصاريف التقاضي وأتعاب الوكلاء.
2- زيادة الإيرادات: يُعد تدقيق الملكية الفكرية أمراً حيوياً لمعرفة أصول الملكية الفكرية التي يمكن بيعها أو الترخيص باستخدامها للغير سواء في بلد المنشأ أو بلدان خارجية لا تمارس فيها الشركة أنشطتها بشكل مباشر، الأمر الذي يدر على الشركة إيرادات إضافية من أصول غير مستغلة.
3- تسهيل آليات مكافحة الانتهاك وتحسين سبل حماية الصورة العامة للشركة ومنتجاتها (Brand Protection): إن معرفة أصول الملكية الفكرية وأهميتها لأنشطة الشركة تجعل من السهل على الإدارة اتخاذ قرارات حول الجدوى من المضي في إجراءات تقاضي أو تقديم اعتراضات ضد المنتهكين من عدمه، وذلك بناءً على الأهمية النسبية لتلك الأصول التي تتعرض للانتهاك. إن اتخاذ قرارات رشيدة فيما يخص انفاذ حقوق الملكية الفكرية يُعزز من صورة الشركة في السوق أمام عملائها والمنافسين على حد سواء، ويشكل عائقاً أمام أي طرف يفكر في القيام بانتهاك أي من حقوقها الفكرية.

أنواع تدقيق الملكية الفكرية:
هناك ثلاثة أنواع من تدقيق الملكية الفكرية وهي:

أولاً: تدقيق الملكية الفكرية الشامل: 
تتمثل أنشطة هذا النوع من التدقيق في حصر وتجميع وتبويب ومراجعة وتقييم كافة أصول الملكية الفكرية وكذلك الإجراءات والأنشطة الداخلية المرتبطة بها، كما أنه يقوم بمراجعة جميع الوثائق والعقود والاتفاقيات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بأصول الملكية الفكرية سواء مع الشركاء أو المتعاقدين أو الموردين أو الموظفين. ومن أهم مخرجات هذا التدقيق هو الكشف عن نقاط ضعف محفظة الملكية الفكرية للشركة من حيث التغطية الجغرافية لأصولها الفكرية، والسلع والخدمات المشمولة بالحماية القانونية، كما يساعد أيضًا في مراقبة أي انتهاك أو تقليد محتمل لتلك الأصول ووضع الآليات المناسبة لضمان عدم حدوث ذلك أو التقليل من آثاره على الشركة. ويُعد هذا النوع من التدقيق الأوسع والأكثر تكلفة على الشركة، فهو يحتاج لوقت يتراوح بين أسابيع إلى عدة أشهر تبعاً لحجم الشركة وتنوع أنشطتها ومنتجاتها ومدى توفر البيانات والوثائق المطلوبة للتدقيق. ونظراً لأهمية توصيات مثل هذا النوع من التدقيق وتعقيد إجراءاته؛ فإن من يقوم به هم خبراء واستشاريون ذوو خبرة طويلة في مجال إدارة وتدقيق أصول الملكية الفكرية.  وغالباً ما يتم تطبيق هذا النوع من التدقيق عندما تقرر الشركة إنشاء إدراة أو قسم أو تسمية موظفين أو تعيين وكلاء قانونيين لتولي إدراة ملف الملكية الفكرية في الشركة.

ثانياً: تدقيق الملكية الفكرية المرتبط بالأحداث المهمة: 
يهدف هذا النوع من التدقيق إلى معرفة القيمة والمخاطر الحالية والمستقبلية المرتبطة بأصول الملكية الفكرية سواءً على الشركة المالكة لتلك الأصول أو على من ينوي شراء أو ترخيص استخدامها، ويُطلق هذا النوع من التدقيق أيضاً بـ "العناية الواجبة بشأن الملكية الفكرية" كونه يعطي للطرف المعني بهذا التدقيق صورة واضحة عن قيمة وأهمية ومخاطر أي أصل من أصول الملكية الفكرية. يتم تطبيق مثل هذا التدقيق لتقييم أصول الملكية الفكرية في الشركة عند وقوع حدث له أثر كبير على الشركة مثل الاندماج والتصفية والاستحواذ، كما أن هذا النوع من التدقيق يُعد ضرورة قبل إطلاق منتج جديد أو التفكير في ترخيص استخدام أصول ملكية فكرية مملوكة للغير أو الدخول في مشاريع مشتركة مع أطراف خارجية. ويعتبر مثل هذا التدقيق محدود نسبياً مقارنة بالتدقيق الشامل، ويستغرق وقتاً يتراوح بين أسبوع إلى عدة أسابيع، ويعتمد ذلك على مدى توافر المعلومات حول الأصول الفكرية الخاضعة للتدقيق، وكثيراً ما يقوم بهذا التدقيق أفراد متخصصون في الشركة نفسها في حال توفرهم أو أن الشركة تستعين بخبراء واستشاريين في مجال تدقيق وإدارة أصول الملكية الفكرية للقيام بهذا التدقيق.

ثالثاً: تدقيق الملكية الفكرية محدود الغرض:
هو تدقيق يقتصر على أصول فكرية محددة وذلك لأغراض خاصة أو ظروف طارئة تمر بها الشركة مثل تلك التي تسبق القيام بتسجيل علامة تجارية أو براءة اختراع في بلدان خارجية، أو عند دراسة أثر التغييرات في القوانين والإجراءات على ملف الملكية الفكرية الخاص بالشركة، كما أن هذا التدقيق يُعد ضرورياً قبل البدء بإجراءات تسليم أو استلام إدارة ملف الملكية الفكرية الخاص بالشركة سواءً بين الموظفين أو مع الوكلاء القانونيين، كما يستخدم هذا النوع من التدقيق عند دراسة فرص النجاح قبل تقديم الاعتراضات أو البدء في إجراءات التقاضي. ويقوم بهذا التدقيق المختصين في الشركة غالباً، وقد يحتاجون مساعدة الوكلاء والمستشارين الخارجيين لتزويدهم بالمعلومات والوثائق الضرورية اللازمة للقيام بمثل هذا التدقيق. ويستغرق القيام بهذا التدقيق فترة تمتد من بضعة أيام إلى أسبوع أو أكثر وذلك اعتماداً على خبرة وكفاءة القائمين عليه وكذلك مدى توفر البيانات والمعلومات اللازمة للقيام بهذا التدقيق.

خاتمة: 
إن أحد أهم عوامل نجاح أي شركة مرهون بالإدارة الفعّالة والكفؤة لأصولها غير الملموسة وذلك من خلال الوصول إلى فهم واضح لأهمية كل أصل من تلك الأصول، ومعرفة سبل الاستفادة منه وكذلك التنبه إلى التكاليف والمخاطر المرتبطة  به، وهذا ما يهدف إليه تدقيق الملكية الفكرية في النهاية.